زيلينسكي ينتقد بشدة تردد الدول الغربية في استمرار دعمها لبلاده
زيلينسكي ينتقد بشدة تردد الدول الغربية في استمرار دعمها لبلاده
التزامات فرنسية موسعة إزاء أوكرانيا في الاتفاقية الأمنية الموقعة
من الأمور المتعارف عليها أن انضمام أوكرانيا الى الحلف الأطلسي لن يحدث غداً ولا بعد غد على أساس أن ميثاق الحلف يحول دون ضم عضو جديد إليه يعاني من حالة حرب؛ لذا، سعى الغربيون، بمناسبة قمة الحلف التي عقدت في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، في شهر يوليو (تموز) الماضي، للتعويض عن الانضمام من خلال تقديم وعود قاطعة لأوكرانيا بإبرام اتفاقات أمنية معها تكون بعيدة المدى وقوية المضمون وأساسها الالتزام بالوقوف إلى جانبها في حال اعتداء روسي جديد.
وجاءت باكورة الاتفاقاات من بريطانيا التي أبرمت أولها بمناسبة زيارة رئيس وزرائها ريتشي سوناك إلى كييف أواسط ديسمبر (كانون الأول)، ثم كرت السبحة، الجمعة: ففي يوم واحد وُقعت اتفاقيتان إضافيتان، الأولى في برلين، نهارا والثانية في باريس ليلا بمناسبة الزيارة المزدوجة التي قام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الى ألمانيا وفرنسا.
وبينما كان مقرراً أن يقوم الرئيس ماكرون بزيارة كييف لتوقيع الاتفاقية خلال شهر فبراير (شباط) الحالي، فإن الزيارة لم تجرِ، وبقيت أسبابها غامضة. وسرت أخبار مصدرها موسكو أن ماكرون ألغى زيارته «لأسباب أمنية» وهو ما نفته مصادر الإليزيه لاحقاً. وبمناسبة المؤتمر الصحافي الذي حدث في قصر الإليزيه، عقب توقيع الاتفاقية وبمشاركة زيلينسكي، أكد ماكرون مجدداً أنه سيزور أوكرانيا لكن دون أن يعطي تاريخاً محدداً.
وجاء التوقيع على الاتفاقيتين في اليوم الذي أعلنت فيه القيادة الأوكرانية الانسحاب من مدينة أفدييفكا، الواقعة شرق أوكرانيا في منطقة الدونباس ما يشكل نجاحاً رمزياً لكنه مهم للقوات الروسية قبل أسبوع من الدخول في العام الثالث من الحرب.
اللافت في الاتفاقية الفرنسية التي وزع نصها قصر الإليزيه أنها تفصيلية؛ إذ إنها تمتد لـ11 صفحة وفي 7 أبواب تعقب مقدمة مطولة، وأبرز ما فيها أنها تتناول كل مجالات التعاون والالتزامات الفرنسية والثنائية «من الطرفين». وجاء في المقدمة تمسُك الطرفين بـ«سيادة واستقلال أوكرانيا وسلامة أراضيها داخل حدودها المعترف بها دولياً لعام 1991 مع التأكيد على الحق السيادي لكل طرف باختيار ترتيباته الأمنية كما يشاء» في إشارة لحق كييف بالانضمام إلى الحلف الأطلسي. وجاء أيضاً أن فرنسا «تؤكد أن انضمام أوكرانيا المقبل الى الحلف الأطلسي سيشكل مساهمة مفيدة للسلام والاستقرار في أوروبا».
التزامات فرنسية موسعة
الكلمة المحورية في الاتفاقية الجديدة، الصالحة زمنياً لعشر سنوات عنوانها «التعاون» في كل المجالات، وهي بذلك تشمل القطاع الأمني الذي يستهدف «تعزيز أمن أوكرانيا» في مجال الاتصالات والهجمات السيبرانية والبنى التحتية الرئيسية الحساسة والتعاون في مجال الاستعلامات، ومحاربة التجسس والجريمة المنظمة… يلي ذلك التعاون في حال قيام روسيا باعتداء جديد على أوكرانيا وما سيترتب على فرنسا من التزامات لجهة تقديم «مساعدة سريعة وفاعلة في المجال الأمني، وتوفير أسلحة ومعدات عسكرية حديثة في كل المجالات إضافة إلى مساعدة اقتصادية… والتشاور مع أوكرانيا لجهة حاجتها للدفاع المشروع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة».
وغموض هذه الصياغة مقصود ومتعمَّد بحيث لا ينص ولا ينفي ما إذا كانت فرنسا ستعمد إلى إرسال قوات للمحاربة إلى جانب الأوكرانيين في حالة اعتداء جديد. وينص باب «التعاون الصناعي الأمني والدفاعي» مع فرنسا والشركاء الآخرين على تمكين القوات الأوكرانية من استعادة السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية ضمن الحدود المعترف بها دولياً «ما يشمل شبه جزيرة القرم»، وجعلها قادرة على «ردع» الطرف الروسي وتوفير «قوات أوكرانية» مستديمة قادرة على الدفاع عن أوكرانيا وتزويدها بمنظومات حديثة براً وبحراً وجواً وفضائياً وفي المجال السيبراني مع التركيز على الدفاعات الجوية والمدفعية والصاروخية بعيدة المدى والمدرعات والدبابات.
وتتعهد باريس بالتعاون، بما في ذلك صناعياً، مع الطرف الأوكراني في تطوير قدراته العسكرية في كل المجالات ما يشمل التدريب وهو ما تقوم به باريس حيث تؤكد أنها دربت 10 جندي أوكراني وأنها تعمل على تدريب الطيارين الأوكرانيين. وتنص الاتفاقية على تعهد باريس بتقديم 3 مليارات يورو لدعم أوكرانيا عسكرياً، وهذا المبلغ يضاف إلى ما قدمته باريس العام الماضي (2.1 مليار) وفي عام 2022 (1.7 مليار).
تنص الاتفاقية في بابها الرابع على دفع القدرات العسكرية الأوكرانية إلى درجة تؤهلها «لمساعدة فرنسا في حال تعرضها لاعتداء عسكري خارجي بحيث توفر لها دعماً عسكرياً فاعلاً». والحال أن لا أحد يعرف اليوم طبيعة الاعتداء الذي قد تتعرض له فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن والعضو الرئيسي في الحلف الأطلسي والطرف الأوروبي المتمتع بالسلاح النووي.
ويفصل الباب المذكور طبيعة التعاون الصناعي بين الطرفين في كل المجالات الأمنية والعسكرية بما في ذلك تشجيع الصناعات الدفاعية الأوكرانية. يأتي عقب ذلك التعاون في القطاعات المدنية بمفهومها الواسع (إنسانياً ومالياً واقتصادياً) وفي مجال الإصلاحات المطلوبة من أوكرانيا للاقتراب من عضوية الاتحاد الأوروبي ومعاييره.
وتلتزم فرنسا بدعم أوكرانيا للانضمام إلى النادي الأوروبي وبالانخراط في عملية إعادة أعمار ما هدمته الحرب، وتشجيع القطاع الخاص الفرنسي للمشاركة في هذه العملية، كما تتعهد باستكشاف السبل القانونية لتجيير الأصول الروسية المجمدة في أوروبا لدعم أوكرانيا، وتشديد العقوبات على روسيا، ومنعها من الالتفاف عليها.
وتنص الاتفاقية كذلك على ملاحقة روسيا و«المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم الدولية الأخرى» التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا وتوفير المساندة للمدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية ومواصلة الجهود لتحقيق هدف «إقامة محكمة خاصة لجرائم الاعتداء على أوكرانيا». أما بالنسبة لمصير الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ من لحظة توقيعها، فمن حق كل طرف أن يخرج منها من خلال رسالة خطية للطرف الآخر بحيث يصبح الانسحاب نافذاً بعد 6 أشهر من تسلم الرسالة.
مع هذه الاتفاقية ومع ما جاء فيها، تريد باريس أن تكون في مقدمة الدول الداعمة لأوكرانيا في وقت تغوص فيه الولايات المتحدة في جدل لا ينتهي حول مصير 60 ملياراً من المساعدات لكييف مجمدة في مجلس النواب بفعل رفض النواب المقربين من الرئيس السابق ترمب إقرارها.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك أكد ماكرون أن فرنسا «عازمة للوقوف إلى جانب أوكرانيا لإفشال روسيا» في الحرب التي تواصلها منذ عامين. وليس مصادفة أن يأتي إبرام الاتفاقية قبل أيام قليلة من ذكرى مرور عامين على بدء «العملية العسكرية الخاصة» الروسية. لكن باريس، رغم ما ورد في الاتفاقية، ما زالت ترفض تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة تطلبها القوات الجوية منذ شهور. وحجة فرنسا أن من مصلحة كييف التركيز على الحصول على طائرات «إف 16» التي وعدت هولندا وبلجيكا والدنمارك والنرويج بتقديمها لكييف بدل تشتيت جهودها والسعي لطائرات فرنسية غير مصنعة بكميات كافية.
وكان كيريلو بودانوف، رئيس جهاز المخابرات العسكرية قد قال لصحيفة «ليبراسيون»، الجمعة، إن بلاده «تنتظر من فرنسا أن تقدم لها طائرات» قتالية وأن هذه المساعدة «ستكون بالغة الأهمية لو أرادت الحكومة الفرنسية».
منذ شهور، تحوم شكوك حول ما تقوم به فرنسا في باب المساعدات العسكرية. ومساء الجمعة، وزع الإليزيه لائحة بالأسلحة والعتاد المقدم لأوكرانيا والتي قُدرت قيمتها الإجمالية في العامين المنصرمين بـ3.8 مليار يورو. وذهب ماكرون إلى الإعلان أن بلاده تحتل المرتبة الثالثة في دعم أوكرانيا بعد الولايات المتحدة وألمانيا (وقبل بريطانيا).
الحال أن «معهد كييل» الألماني يقدر المساعدات العسكرية الفرنسية بـ600 مليون يورو. والفارق بعيد بين الرقمين. وفي أية حال، فإن تساؤلات تطرح حول كيفية توفير المليارات الثلاثة التي نصت عليها الاتفاقية علماً بأن الحكومة تسعى لتوفير من 10 مليارات يورو في المصاريف للعام الحالي. وفي الوقت نفسه تتصاعد وتيرة المطالبات الاجتماعية التي تستلزم مصاريف إضافية.
وترجح المصادر الفرنسية أن تلجأ الحكومة إلى اقتطاع المبلغ المشار إليه من الميزانية المرصودة لـ«قانون البرمجة العسكرية» الممتد حتى عام 2030 وقيمتها 413 مليار يورو.
يبقى أن باريس، مع مسارعتها لتوقيه الاتفاقية الأمنية، فإنها تضع نفسها في مقدمة الدول الداعمة لأوكرانيا مهما تكن حدة الجدل الخاص بما قدمته حقيقة لأوكرانيا في الأشهر الـ24 المنصرمة.
زيلينسكي ينتقد بشدة تردد الدول الغربية في استمرار دعمها لبلاده