دخول ميساك مانوشيان “مقبرة العظماء” تكريما له ولجميع المقاومين الأجانب ضد النازية

دخول ميساك مانوشيان “مقبرة العظماء” تكريما له ولجميع المقاومين الأجانب ضد النازية

سيدخل الأربعاء المقاوم الشيوعي من أصول أرمنية ميساك مانوشيان “مقبرة العظماء” (البانتيون) في باريس برفقة زوجته ميليني سوكميان، وذلك بعد 80 عاما من إعدامه بالرصاص على يد النازيين في “مون فالريان” بالضاحية الباريسية، في مراسم رسمية تكريما له ولكل مقاتلي المقاومة الأجانب في فرنسا. وحيت الرئاسة الفرنسية “شجاعته” و”بطولته الهادئة” وتجسيده لقيم “الحرية والمساواة والأخوة”.

نشرت في:

9 دقائق

قبل أن يدخل مساء الأربعاء إلى “مقبرة العظماء” البانتيون بباريس ليرقد فيها إلى الأبد، وضع جثمان المقاوم الشيوعي من أصل أرمني ميساك مانوشيان، أحد الأسماء البارزة في الكفاح ضد الاحتلال النازي في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية عند النصب التذكاري “مون فالريان” بالضاحية الباريسية. وهو المكان الذي قتل فيه يوم 21 فبراير/شباط 1944 على يد النازيين مع عدد من المقاومين الشيوعيين الآخرين.

وجاء في بيان سابق للرئاسة الفرنسية أن ميساك مانوشيان يحمل جانبا من “عظمتنا”. وأشاد البيان بـ “شجاعته” و”بطولته الهادئة” فضلا أنه يجسد “القيم العالمية للحرية والمساواة والأخوة التي دافع باسمها عن الجمهورية” الفرنسية.

المقاوم الفرنسي من أصل أرمني ميساك مانوشيان الذي أعدم بالرصاص من قبل النازيين في 21 فبراير/شباط 1944 © فرانس24

وأضاف الإليزيه إن “مانوشيان سيدخل مقبرة العظماء برفقة زوجته ميليني” المتحدرة أيضا من أصل أرمني ليعيشا إلى الأبد “متحدين في الموت”، لكن ميليني المقاومة مثله أيضا والتي عاشت بعده 45 عاما لن تكون من بين الشخصيات المدرجة على قائمة “العظماء” في البانتيون.

من آلام الإبادة  إلى سجون القوات النازية المحتلة

ولد ميساك مانوشيان في الأول من سبتمبر/أيلول 1906 في كنف عائلة مزارعة فقيرة بمدينة “أديمان” في جنوب شرق ما يعرف الآن بتركيا، أما زوجته ميليني سوكميان فلقد رأت النور في 1913. كلاهما ذاقا مرارة العذاب والقتل في الصغر. إذ فقد كل منهما عائلته أثناء الإبادة الجماعية للأرمن. ما جعل مانوشيان يغادر إلى لبنان وميليني إلى اليونان قبل أن ينتقلا إلى فرنسا.

اقرأ أيضاالمقاوم الشيوعي ميساك مانوشيان سيدخل “مقبرة العظماء” البانتيون في باريس

بعد وصوله إلى باريس في 1924، التحق مانوشيان، الذي كان يتمتع بموهبة شعرية كبيرة، بما يسمى بـ”الأممية الشيوعية” (وهي رابطة للأحزاب السياسية الشيوعية من جميع أنحاء العالم تأسست في 1919 مكرسة للأممية البروليتارية وهدفها الإطاحة الثورية بالبرجوازية العالمية) قبل أن يشغل منصب مدير جريدة “زانغو”، وهي صحيفة تهتم بيوميات الأرمن في فرنسا وأرمينيا وتسعى إلى بناء جسور بين الجاليتين. تعرف مانوشيان على زوجته ميليني في هذه الجريدة حيث كانت تعمل كمحاسبة وكاتبة على آلة الطباعة.

قصة مزجت بين الحب العميق والمقاومة السياسية

من هذا اللقاء بين الشخصيتين من بلد واحد ولدت قصة حب عميقة ورغبة في الانضمام إلى صفوف المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي.

بدأ ميساك مانوشيان عمله السري من خلال المشاركة في الاجتماعات المناهضة للفاشية والنازية. فيما أظهر حماسا وانضباطا كبيرين، ما جعله يتولى بسرعة منصب مندوب في الحزب الشيوعي الفرنسي.

ورغم الحيطة والحذر، إلا أن الشرطة الألمانية ألقت القبض عليه للمرة الأولى في العام 1939، وذلك قبل أيام قليلة من إصدار الإدارة النازية مرسوم 26 سبتمبر/أيلول 1939 القرار الذي يقضي بحل جميع المنظمات الشيوعية التي كانت تنشط في فرنسا.

الافتة التي وزعها النازيون خلال محاكمة جماعة مانوشيان بمحكمة نازية بباريس والتي تتضمن على عدد من التهم © أ ف ب

ولحسن حظه، تم إطلاق سراحه بسبب غياب الأدلة ليستمر بعد ذلك في عمله النضالي بالمقاومة الفرنسية لكن ليس لوقت طويل. إذ تم توقيفه مرة ثانية في العام 1941 حيث زج به في سجن “روياليو” بمدينة كمباينين بمنطقة “لواز” شمال فرنسا. وهو معسكر انتقال نازي افتتح من 1941 لغاية 1944 لإيواء سجناء سياسيين روس وأمريكيين فضلا عن اليهود.

مقتل مانوشيان و21 من زملائه رميا بالرصاص في “مون فالريان”

وبعد قضائه عدة أسابيع في هذا السجن، تم إطلاق سراحه مرة أخرى. ورغم المراقبة التي فرضت عليه، إلا أنه واصل عمله في المقاومة وانخرط في جمعية تدعى “العمل الألماني” وهي جمعية معادية للفاشية كان دورها إقناع الجنود الألمان بالوقوف ضد النازية. وشاركت زوجة مانوشيان في هذا العمل السري بالتوازي مع عملها ككاتبة على آلة الطباعة.

انضم بعد ذلك إلى صفوف المقاومة المسلحة الشيوعية التي كانت تضم عددا كبيرا من المقاومين الشيوعيين من فرنسا ويهود من أوروبا الشرقية. تقلد عدة مناصب في هذه الحركة التي تضم قناصين ومناضلين أجانب إلى غاية شهر نوفمبر/ كانون الثاني 1943 وهو تاريخ توقيف 23 من أعضاء هذه الحركة من قبل الشرطة الألمانية النازية، من بينهم ميساك مانوشيان شخصيا. كان عمره 37 عاما.

وإثر محاكمة سريعة نظمت في مبنى كان يدعى بـ “المحكمة العسكرية الألمانية في باريس”، تم الحكم بالإعدام على 22 من المقاومين، ضمنهم مانوشيان وقتلوا رميا بالرصاص في 21 فبراير/شباط 1944 في موقع “مون فالريان” بالضاحية الباريسية.

وتعد أولغا بانشيس، المرأة الوحيدة التي كانت تنتمي إلى المنظمة والتي لم تعدم بالرصاص بل قطع رأسها بالمقصلة في 10 مايو/أيار 1944 بمدينة شتوتغارت الألمانية.

لافتة نازية تجعل من مانوشيان شخصية شهيرة ومحترمة من قبل الجميع

وخلال محاكمة مانوشيان، وزعت السلطات النازية حوالي 15000 لافتة في شوارع باريس تحتوي على صورته برفقة 10 من زملائه كتب عليها “مانوشيان. رئيس العصابة. 56 اعتداء.150 قتيلا. 600 جريح”. كان غرض السلطات النازية الإساءة إلى سمعته، لكن في الحقيقية فهي قامت بشكل غير مباشر بتكريمه وبجعله شخصية شهيرة ومحترمة. 

ميليني مانوشيان زوجة ميساك مانوشيان التي ناضلت هي أيضا ضد النازية إلى جانب زوجها. توفيت في العا م1989 © ويكيميديا

وقالت ميليني مانوشيان في هذا الخصوص أن “لولا اللافتة الشهيرة التي وزعها الجيش الألماني في باريس ربما لما تعرفنا على نضال زوجها وزملائه أو ربما قد نسيناهم”.

بعد وفاة مانوشيان، قامت زوجته بتغيير اسمها وأصبحت تلقب بجاكلين ألبرتيني، واستمرت في المقاومة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

بعد ذلك سافرت إلى بلدها الأصلي أرمينيا وفي حوزتها جميع الأبيات الشعرية التي كتبها زوجها خلال سنوات النضال وبعض المعلومات السرية المتعلقة بالمقاومة الفرنسية. بقيت سنوات عديدة في هذا البلد ثم عادت مجددا إلى فرنسا لتلقي العلاج لأنها كانت تعاني من أوجاع في البطن وللعيش قرب أختها التي بقيت في فرنسا.

مانوشيان تاسع عضو في المقاومة الفرنسية الذي يدخل البانتيون

توفيت ميليني مانوشيان في 1989 بعدما كرست الكثير من وقتها للحديث عن جرائم النازية ومن أجل أن تعترف الأمة الفرنسية رسميا بنضال زوجها وزملائه الـ22.

وسيكون ميساك مانوشيان تاسع عضو في المقاومة الفرنسية الذي يدخل البانتيون منذ نقل رماد جان مولان إلى “مقبرة العظماء” في 1964. وهو أيضا أول مقاوم أجنبي وشيوعي يتم تكريمه إلى جانب فولتير وفيكتور هوغو وماري كوري.

وميساك مانوشيان هو أيضا بطل قومي في أرمينيا، شأنه في ذلك شأن المغني الفرنسي شارل أزنافور الذي عرفه مانوشيان في طفولته لأنه حل ضيفا على والديه في باريس.

ومثل الجدل السياسي والإعلامي الذي رافق تكريم الرئيس الفرنسي لوزير العدل السابق روبرت بادينتر الذي دخل إلىمقبرة العظماء الأسبوع الماضي، لم يخل التكريم الذي سيقوم به ماكرون لمانوشيان من نفس المشكلة.

جدل حول مشاركة التجمع الوطني في حفل تكريم مانوشيان

الرئيس الفرنسي أبدى تحفظاته بخصوص مشاركة مارين لوبان من حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) في مراسم تكريم مانوشيان الأربعاء. وقال في مقابلة صحفية مع جريدة “لومانيتي” الشيوعية: “على اليمين المتطرف أن يفهم بأنه لا يجب أن يشارك في التكريم نظرا لطبيعة نضال مانوشيان”، مضيفا “لم يسبق وأن اعتبرت اليمين المتطرف ضمن المعسكر الجمهوري”.

ميساك مانوشيان بالزي العسكري في 1940 بمنطقة “لوموربيان” ببريطانيا غرب فرنسا © ويكيميديا

لكن لوبان ردت على الرئيس الفرنسي بأنها ستكون حاضرة في مراسم التكريم. فيما وصفت تصريحات ماكرون بـ “المشينة”. من جهته، أضاف لوران جاكوبيلي المتحدث باسم حزب مارين لوبان:”سنكون حاضرين، لأن وصول مقاوم إلى البانتيون هي فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية التي ترتكز على بعض القيم، وفي مقدمتها الدفاع عن السيادة وعن فرنسا”، داعيا رئيس الجمهورية إلى تسويق فكرة “التماسك” وعدم استغلال هذا “الحدث الكبير لأسباب سياسية ضيقة”.

 

طاهر هاني

المصدر

seo

دخول ميساك مانوشيان “مقبرة العظماء” تكريما له ولجميع المقاومين الأجانب ضد النازية

التعليقات معطلة.